الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: اسْتَرَّتْ وُجُوهُ الْخَلْقِ، وَاسْتَسْلَمَتْ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ الَّذِي لَا يَمُوتُ، الْقَيُّومُ عَلَى خَلْقِهِ بِتَدْبِيرِهِ إِيَّاهُمْ وَتَصْرِيفِهِمْ لِمَا شَاءُوا، وَأَصَّلُ الْعُنُوِّ الذُّلِّ، يُقَالُ مِنْهُ: عَنَا وَجْهَهُ لِرَبِّهِ يَعْنُو عُنُّوًا، يَعْنِي خَضَعَ لَهُ وَذَلَّ، وَكَذَلِكَ قِيلَ لِلْأَسِيرِ: عَانَ لِذِلَّةِ الْأَسْرِ، فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: أَخَذْتُ الشَّيْءَ عُنْوَةً، فَإِنَّهُ يَكُونُ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ يَئُولُ إِلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ غَلَبَةٌ، وَيَكُونُ أَخْذُهُ عَنْ تَسْلِيمٍ وَطَاعَةٍ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: هَـلْ أنْـتَ مُطِيعِـي أيُّهَا الْقَلْبُ عُنْوَةً *** وَلَـمْ تُلْـحَ نَفْسٌ لَـمْ تُلَـمْ فِي اخْتِيَالِهَا وَقَالَ آخَرُ: هَـلْ أخَذُوهَـا عُنْـوَةً عَـنْ مَـوَدَّةٍ *** وَلَكِـنْ بِحَـدِّ الْمَشْـرَفِيِّ اسْـتَقَالَهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} يَقُولُ: ذَلَّتْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمَى، قَالَ: ثَنَى أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} يَعْنِي بِـ"عَنَتْ": اسْتَسْلَمُوا لِي. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ} قَالَ: خَشَعَتْ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} أَيْ ذَلَّتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} قَالَ: ذَلَّتِ الْوُجُوهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ طَلْقٌ: إِذَا سَجَدَ الرَّجُلُ فَقَدْ عَنَا وَجْهُهُ، أَوْ قَالَ: عَنَا. حَدَّثَنِي أَبُو حِصْنٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثَنَا عَبٍثَرُ قَالَ: ثَنَا حَصِينٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} قَالَ: هُوَ وَضْعُ الرَّجُلِ رَأْسَهُ وَيَدَيْهِ وَأَطْرَافَ قَدَمَيْهِ. حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ قَالَ: ثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ فِي قَوْلِهِ {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} قَالَ: وَهُوَ وَضْعُكَ جَبْهَتَكَ وَكَفَّيْكَ وَرُكْبَتَيْكَ وَأَطْرَافَ قَدَمَيْكَ فِي السُّجُودِ. حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ قَالَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ فِي قَوْلِهِ {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} قَالَ: وَضْعُ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ عَلَى الْأَرْضِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ: قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ فِي قَوْلِهِ {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} قَالَ: هُوَ السُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ وَالرَّاحَةِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} قَالَ: أَسْتَأْسَرْتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ، صَارُوا أُسَارَى كُلُّهُمْ لَهُ، قَالَ: وَالْعَانِي: الْأَسِيرُ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْحَيِّ الْقَيُّومِ فِيمَا مَضَى، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا. وَقَوْلُهُ {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَمْ يَظْفَرْ بِحَاجَتِهِ وَطَلَبَتِهِ مَنْ حَمَلَ إِلَى مَوْقِفِ الْقِيَادَةِ شِرْكًا بِاللَّهِ وَكُفْرًا بِهِ وَعَمَلًا بِمَعْصِيَتِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} قَالَ: مَنْ حَمَلَ شِرْكًا. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} قَالَ: مَنْ حَمَلَ شِرْكًا. الظُّلْمُ هَاهُنَا: الشِّرْكُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ: وَمَنْ يَعْمَلُ مِنْ صَالِحَاتِ الْأَعْمَالِ وَذَلِكَ فِيمَا قِيلَ أَدَاءُ فَرَائِضِ اللَّهِ الَّتِي فَرَضَهَا عَلَى عِبَادِهِ (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) يَقُولُ: وَهُوَ مُصَدِّقٌ بِاللَّهِ، وَأَنَّهُ مُجَازٍ أَهْلَ طَاعَتِهِ وَأَهْلَ مَعَاصِيهِ عَلَى مَعَاصِيهِمْ {فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا} يَقُولُ: فَلَا يَخَافُ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَظْلِمَهُ، فَيَحْمِلُ عَلَيْهِ سَيِّئَاتِ غَيْرِهِ، فَيُعَاقِبُهُ عَلَيْهَا (وَلَا هَضْمًا) يَقُولُ: لَا يَخَافُ أَنْ يَهْضِمَهُ حَسَنَاتَهُ، فَيُنْقِصُهُ ثَوَابَهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} وَإِنَّمَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنَ الْعَمَلِ مَا كَانَ فِي إِيمَانٍ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَوْلَهُ {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} قَالَ: زَعَمُوا أَنَّهَا الْفَرَائِضُ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ مَا قُلْنَا: فِي مَعْنَى قَوْلِهِ {فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا}. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَا: ثَنَا ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} قَالَ: هَضْمًَا: غَصْبًا. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: {فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} قَالَ: لَا يَخَافُ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يُظْلَمَ فَيُزَادُ عَلَيْهِ فِي سَيِّئَاتِهِ، وَلَا يُظْلَمُ فَيُهْضَمُ فِي حَسَنَاتِهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} يَقُولُ: أَنَا قَاهِرٌ لَكُمُ الْيَوْمَ، آخُذُكُمْ بِقُوَّتِي وَشِدَّتِي، وَأَنَا قَادِرٌ عَلَى قَهْرِكُمْ وَهَضْمِكُمْ، فَإِنَّمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمُ الْعَدْلُ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} أَمَّا هَضْمًا فَهُوَ لَا يَقْهَرُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بِقُوَّتِهِ، يَقُولُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: لَا آخُذُكُمْ بِقُوَّتِي وَشِدَّتِي، وَلَكِنَّ الْعَدْلَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَلَا ظُلْمَ عَلَيْكُمْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ (هَضْمًا) قَالَ: انْتِقَاصُ شَيْءٍ مِنْ حَقِّ عَمَلِهِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ قَالَ: ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ مِسْعَرٍ قَالَ: سَمِعْتُ حَبِيبَ بْنَ أَبِي ثَابِتٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ (وَلَا هَضْمًا) قَالَ: الْهَضْمُ: الِانْتِقَاصُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} قَالَ: ظُلْمًا أَنْ يُزَادَ فِي سَيِّئَاتِهِ، وَلَا يُهْضَمَ مِنْ حَسَنَاتِهِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} قَالَ: لَا يَخَافُ أَنْ يَظْلِمَ فَلَا يُجْزَى بِعَمَلِهِ، وَلَا يُخَافُ أَنْ يُنْتَقَصَ مِنْ حَقِّهِ فَلَا يُوَفَّى عَمَلُهُ. حَدَّثَنَا الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا سَلَامُ بْنُ مِسْكِينٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ سِيَاهٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} قَالَ: لَا يَنْتَقِصُ اللَّهُ مِنْ حَسَنَاتِهِ شَيْئًا، وَلَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ ذَنْبَ مُسِيءٍ، وَأَصْلُ الْهَضْمِ النَّقْصُ، يُقَالُ: هَضَمَنِي فُلَانٌ حَقِّي، وَمِنْهُ امْرَأَةٌ هَضِيمٌ: أَيُّ ضَامِرَةُ الْبَطْنِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: قَدْ هُضِمَ الطَّعَامَ: إِذَا ذَهَبَ، وَهَضَمْتُ لَكَ مِنْ حَقِّكَ: أَيْ حَطَطْتُكَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ أَنْـزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَمَا رَغَّبَنَا أَهْلَ الْإِيمَانِ فِي صَالِحَاتِ الْأَعْمَالِ، بِوَعْدَنَاهُمْ مَا وَعَدْنَاهُمْ، كَذَلِكَ حَذَّرْنَا بِالْوَعِيدِ أَهْلَ الْكُفْرِ بِالْمَقَامِ عَلَى مَعَاصِينَا، وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِنَا فَأَنْـزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَرَبِيًّا، إِذْ كَانُوا عَرَبًا {وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ} فَبَيَّنَاهُ: يَقُولُ: وَخَوَّفْنَاهُمْ فِيهِ بِضُرُوبٍ مِنَ الْوَعِيدِ (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) يَقُولُ: كَيْ يَتَّقُونَا، بِتَصْرِيفِنَا مَا صَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ {أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} يَقُولُ: أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ هَذَا الْقُرْآنُ تَذْكِرَةً، فَيَعْتَبِرُونَ وَيَتَّعِظُونَ بِفِعْلِنَا بِالْأُمَمِ الَّتِي كَذَّبَتِ الرُّسُلَ قَبْلَهَا، وَيَنْـزَجِرُونَ عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ {وَكَذَلِكَ أَنْـزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} مَا حُذِّرُوا بِهِ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَعِقَابِهِ، وَوَقَائِعِهِ بِالْأُمَمِ قَبْلَهُمْ {أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ} الْقُرْآنُ (ذِكْرًا): أَيْ جِدًّا وَوَرَعًا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ {أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} قَالَ: جِدًّا وَوَرَعًا، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي {أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} أَنَّ مَعْنَاهُ: أَوْ يُحَدِّثُ لَهُمْ شَرَفًا، بِإِيمَانِهِمْ بِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَارْتَفَعَ الَّذِي لَهُ الْعِبَادَةُ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ الْمَلِكُ الَّذِي قَهَرَ سُلْطَانُهُ كُلَّ مَلِكٍ وَجَبَّارٍ، الْحَقُّ عَمَّا يَصِفُهُ بِهِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ خَلْقِهِ {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلَا تَعْجَلْ يَا مُحَمَّدُ بِالْقُرْآنِ، فَتُقْرِئُهُ أَصْحَابَكَ، أَوْ تَقْرَأهُ عَلَيْهِمْ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُوحَى إِلَيْكَ بَيَانَ مَعَانِيهِ، فَعُوتِبَ عَلَى إِكْتَابِهِ وَإِمْلَائِهِ مَا كَانَ اللَّهُ يُنْـزِلُهُ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابِهِ مَنْ كَانَ يَكْتُبُهُ ذَلِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ مَعَانِيَهُ، وَقِيلَ: لَا تَتْلُهُ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا تُمْلِهِ عَلَيْهِ حَتَّى نُبَيِّنَهُ لَكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} قَالَ: لَا تَتْلُهُ عَلَى أَحَدٍ حَتَّى نُبَيِّنَهُ لَكَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: يَقُولُ: لَا تَتْلُهُ عَلَى أَحَدٍ حَتَّى نُتِمَّهُ لَكَ، هَكَذَا قَالَ الْقَاسِمُ: حَتَّى نُتِمَّهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} يُعْنَى: لَا تَعْجَلُ حَتَّى نُبَيِّنَهُ لَكَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ}: أَيْ: بَيَانُهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} قَالَ: تِبْيَانُهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَا ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ {مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} مِنْ قَبْلِ أَنْ يُبَيَّنَ لَكَ بَيَانَهُ. وَقَوْلُهُ {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقُلْ يَا مُحَمَّدُ: رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا إِلَى مَا عَلَّمْتَنِي أَمْرَهُ بِمَسْأَلَتِهِ مِنْ فَوَائِدِ الْعِلْمِ مَا لَا يُعْلَمُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنْ يُضَيِّعْ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نُصَرِّفُ لَهُمْ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنَ الْوَعِيدِ عَهْدِي، وَيُخَالِفُوا أَمْرِي، وَيَتْرُكُوا طَاعَتِي، وَيَتَّبِعُوا أَمْرَ عَدُوِّهِمْ إِبْلِيسَ، وَيُطِيعُوهُ فِي خِلَافِ أَمْرِي، فَقَدِيمًا مَا فَعَلَ ذَلِكَ أَبُوهُمْ آدَمُ {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى} يَقُولُ: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا آدَمَ وَقُلْنَا لَهُ {إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ} وَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ فَأَطَاعَهُ، وَخَالَفَ أَمْرِي، فَحَلَّ بِهِ مِنْ عُقُوبَتِي مَا حَلَّ. وَعَنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ (مِنْ قَبْلُ) هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَخْبَرَ أَنَّهُ صَرَّفَ لَهُمُ الْوَعِيدَ فِي هَذَا الْقُرْآنِ، وَقَوْلُهُ (فَنَسِيَ) يَقُولُ: فَتَرَكَ عَهْدِي. كَمَا حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ} يَقُولُ: فَتَرَكَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ (فَنَسِيَ) قَالَ: تَرَكَ أَمْرَ رَبِّهِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} قَالَ: قَالَ لَهُ {يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ {لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} وَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ {وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى} قَالَ: فَنَسِيَ مَا عَهِدَ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ، قَالَ: وَهَذَا عَهْدُ اللَّهِ إِلَيْهِ، قَالَ: وَلَوْ كَانَ لَهُ عَزْمٌ مَا أَطَاعَ عَدُوَّهُ الَّذِي حَسَدَهُ وَأَبَى أَنْ يَسْجُدَ لَهُ مَعَ مَنْ سَجَدَ لَهُ إِبْلِيسُ، وَعَصَى اللَّهَ الَّذِي كَرَّمَهُ وَشَرَّفَهُ وَأَمْرَ مَلَائِكَتَهُ فَسَجَدُوا لَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَا ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَمُؤَمَّلٌ قَالُوا: ثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ الْبُطَيْنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّمَا سُمِّيَ الْإِنْسَانُ لِأَنَّهُ عُهِدَ إِلَيْهِ فَنَسِيَ. وَقَوْلُهُ {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْعَزْمِ هَاهُنَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ الصَّبْرُ. * ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} أَيْ صَبْرًا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} قَالَ: صَبَرَا. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجُوزْجَانِيُّ قَالَ: ثَنَا أَبُو النَّضِرِ قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: الْحِفْظُ، قَالُوا: وَمَعْنَاهُ: وَلَمْ نَجِدْ لَهُ حِفْظًا لِمَا عَهِدْنَا إِلَيْهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطِيَّةَ {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} قَالَ: حِفْظًا لِمَا أَمَرْتُهُ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنِ الْأَشْجَعِي عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَطِيَّةَ فِي قَوْلِهِ {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} قَالَ: حَفِظًا. حَدَّثَنَا عِبَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: ثَنَا قَبِيصَةُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَطِيَّةَ فِي قَوْلِهِ {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} قَالَ: حِفْظًا لِمَا أَمَرْتُهُ بِهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} يَقُولُ: لَمْ نَجِدْ لَهُ حِفْظًا. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} قَالَ: الْعَزْمُ: الْمُحَافَظَةُ عَلَى مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِحِفْظِهِ وَالتَّمَسُّكِ بِهِ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} يَقُولُ: لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَزْمًا. حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ فُضَالَةَ عَنْ لُقْمَانَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: لَوْ أَنَّ أَحْلَامَ بَنِي آدَمَ جُمِعَتْ مُنْذُ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ إِلَى يَوْمِ السَّاعَةِ، وَوُضِعَتْ فِي كِفَّةِ مِيزَانٍ. وَوُضِعَ حِلْمُ آدَمَ فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى، لَرَجَحَ حِلْمُهُ بِأَحْلَامِهِمْ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَصِلُ الْعَزْمَ اعْتِقَادُ الْقَلْبِ عَلَى الشَّيْءِ، يُقَالُ مِنْهُ: عَزَمَ فُلَانٌ عَلَى كَذَا: إِذَا اعْتَقَدَ عَلَيْهِ وَنَوَاهُ، وَمِنِ اعْتِقَادِ الْقَلْبِ حَفِظُ الشَّيْءِ، وَمِنْهُ الصَّبْرُ عَلَى الشَّيْءِ، لِأَنَّهُ لَا يَجْزَعُ جَازِعٌ إِلَّا مِنْ خَوَرِ قَلْبِهِ وَضَعْفِهِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَا مَعْنَى لِذَلِكَ أَبْلَغُ مِمَّا بَيَّنَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَهُوَ قَوْلُهُ {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} فَيَكُونُ تَأْوِيلُهُ: وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمَ قَلْبٍ عَلَى الْوَفَاءِ لِلَّهِ بِعَهْدِهِ، وَلَا عَلَى حِفْظِ مَا عُهِدَ إِلَيْهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُعَلِّمًا نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ مِنْ تَضْيِيعِ آدَمَ عَهْدَهُ، وَمُعَرِّفُهُ بِذَلِكَ أَنَّ وَلَدَهُ لَنْ يَعْدُوَا أَنْ يَكُونُوا فِي ذَلِكَ عَلَى مِنْهَاجِهِ، إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ (وَ) اذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى} أَنْ يَسْجُدَ لَهُ {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ} وَلِذَلِكَ مِنْ شَنَآنِهِ لَمْ يَسْجُدْ لَكَ، وَخَالَفَ أَمْرِي فِي ذَلِكَ وَعَصَانِي، فَلَا تُطِيعَاهُ فِيمَا يَأْمُرُكُمَا بِهِ، فَيُخْرِجُكُمَا بِمَعْصِيَتِكُمَا رَبَّكُمَا، وَطَاعَتِكُمَا لَهُ {مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} يَقُولُ: فَيَكُونُ عَيْشُكَ مِنْ كَدِّ يَدِكَ، فَذَلِكَ شَقَاؤُهُ الَّذِي حَذَّرَهُ رَبُّهُ. كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ قَالَ: أُهْبِطَ إِلَى آدَمَ ثَوْرٌ أَحْمَرُ، فَكَانَ يَحْرُثُ عَلَيْهِ، وَيَمْسَحُ الْعَرَقَ مِنْ جَبِينِهِ، فَهُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} فَكَانَ ذَلِكَ شَقَاؤُهُ، وَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ (فَتَشْقَى) وَلَمْ يَقُلْ: فَتَشْقَيَا، وَقَدْ قَالَ: {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا} لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْخُطَّابِ مِنَ اللَّهِ كَانَ لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَكَانَ فِي إِعْلَامِهِ الْعُقُوبَةَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ إِيَّاهُ فِيمَا نَهَاهُ عَنْهُ مِنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ الْكِفَايَةُ مِنْ ذِكْرِ الْمَرْأَةِ، إِذْ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ حُكْمُهَا فِي ذَلِكَ حُكْمُهُ. كَمَا قَالَ {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} اجْتُزِئَ بِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ مَعْنَاهُ مِنْ ذِكْرِ فِعْلِ صَاحِبِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبَرًا عَنْ قِيلِهِ لِآدَمَ حِينَ أَسْكَنَهُ الْجَنَّةَ (إِنَّ لَكَ) يَا آدَمُ {أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى} وَ"أَنْ" فِي قَوْلِهِ {أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى} فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِإِنَّ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: (إِنَّ لَكَ). وَقَوْلُهُ {وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا} اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَتِهَا، فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ بِالْكَسْرِ: وَإِنَّكَ، عَلَى الْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ (إِنَّ لَكَ)، وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَعَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَأَنَّكَ، بِفَتْحِ أَلِفِهَا عَطْفًا بِهَا عَلَى "أَنَّ" الَّتِي فِي قَوْلِهِ {أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى}، وَوَجَّهُوا تَأْوِيلَ ذَلِكَ إِلَى أَنَّ لَكَ هَذَا وَهَذَا، فَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ أَعْجَبُ الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ، لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذِكْرُهُ وَعَدَ ذَلِكَ آدَمَ حِينَ أَسْكَنَهُ الْجَنَّةَ، فَكَوْنُ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى أَنْ لَا تَجُوعَ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ، وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ غَيْرَ بَعِيدٍ مِنَ الصَّوَابِ، وَعَنَى بِقَوْلِهِ {لَا تَظْمَأُ فِيهَا} لَا تَعَطُّشُ فِي الْجَنَّةِ مَا دُمْتَ فِيهَا (وَلَا تَضْحَى)، يَقُولُ: لَا تَظْهَرُ لِلشَّمْسِ فَيُؤْذِيكَ حَرُّهَا، كَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي رَبِيعَةَ: رَأَتْ رَجُـلًا أمَّـا إِذَا الشَّمْسُ عَارَضَتْ *** فَيَضْحَـى وَأَمَّـا بِالْعَشِـيِّ فَيَخْـصَرُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ {وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} يَقُولُ: لَا يُصِيبُكَ فِيهَا عَطَشٌ وَلَا حَرٌّ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ {وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} يَقُولُ: لَا يُصِيبُكَ حَرٌّ وَلَا أَذًى. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ الْأَوْدِيُّ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَرِيكٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ خَصِيفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ {لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} قَالَ: لَا تُصِيبُكَ الشَّمْسُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ (وَلَا تَضْحَى) قَالَ: لَا تُصِيبُكَ الشَّمْسُ، وَقَوْلُهُ {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ} يَقُولُ: فَأَلْقَى إِلَى آدَمَ الشَّيْطَانُ وَحَدَّثَهُ {قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ} يَقُولُ: قَالَ لَهُ: هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةٍ إِنْ أَكَلْتَ مِنْهَا خُلِّدْتَ فَلَمْ تَمُتْ، وَمَلَكْتَ مُلْكًا لَا يَنْقَضِي فَيَبْلَى. كَمَا حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ {قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى} إِنْ أَكَلْتَ مِنْهَا كُنْتَ مَلِكًا مِثْلَ اللَّهِ {أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} فَلَا تَمُوتَانِ أَبَدًا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَكَلَ آدَمُ وَحَوَّاءُ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نُهِيَا عَنِ الْأَكْلِ مِنْهَا، وَأَطَاعَا أَمْرَ إِبْلِيسَ، وَخَالَفَا أَمْرَ رَبِّهِمَا {فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} يَقُولُ: فَانْكَشَفَتْ لَهُمَا عَوْرَاتُهُمَا، وَكَانَتْ مَسْتُورَةً عَنْ أَعْيُنِهِمَا. كَمَا حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: إِنَّمَا أَرَادَ، يَعْنِي إِبْلِيسَ بِقَوْلِهِ {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى} لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا تَوَارَى عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا، بِهَتْكِ لِبَاسِهِمَا، وَكَانَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ لَهُمَا سَوْأَةً لَمَّا كَانَ يَقْرَأُ مِنْ كُتُبِ الْمَلَائِكَةِ، وَلَمْ يَكُنْ آدَمُ يَعْلَمُ ذَلِكَ، وَكَانَ لِبَاسَهُمَا الظُّفْرُ، فَأَبَى آدَمُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، فَتَقَدَّمَتْحَوَّاءُفَأَكَلَتْ ثُمَّ قَالَتْ: يَا آدَمُ كُلْ، فَإِنِّي قَدْ أَكَلْتُ فَلَمْ يَضُرَّنِي، فَلَمَّا أَكَلَ آدَمُ بَدَتْ سَوْآتُهُمَا. وَقَوْلُهُ {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} يَقُولُ: أَقْبَلَا يَشُدَّانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ. كَمَا حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} يَقُولُ: أَقْبَلَا يُغَطِّيَانِ عَلَيْهِمَا بِوَرَقِ التِّينِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} يَقُولُ: يُوَصِّلَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ. وَقَوْلُهُ {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} يَقُولُ: وَخَالَفَ أَمْرَ رَبِّهِ، فَتَعَدَّى إِلَى مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّى إِلَيْهِ مِنَ الْأَكْلِ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نَهَاهُ عَنِ الْأَكْلِ مِنْهَا، وَقَوْلُهُ {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} يَقُولُ: اصْطَفَاهُ رَبُّهُ مِنْ بَعْدِ مَعْصِيَتِهِ إِيَّاهُ فَرَزَقَهُ الرُّجُوعَ إِلَى مَا يَرْضَى عَنْهُ، وَالْعَمَلَ بِطَاعَتِهِ، وَذَلِكَ هُوَ كَانَتْ تَوْبَتُهُ الَّتِي تَابَهَا عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ (وَهَدَى) يَقُولُ: وَهَدَاهُ لِلتَّوْبَةِ، فَوَفَّقَهُ لَهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِآدَمَ وَحَوَّاءَ {اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا إِلَى الْأَرْضِ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} يَقُولُ: أَنْتُمَا عَدُوُّ إِبْلِيسَ وَذُرِّيَّتِهِ، وَإِبْلِيسُ عَدُوُّكُمَا وَعَدُوُّ ذُرِّيَّتِكُمَا. وَقَوْلُهُ {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى} يَقُولُ: فَإِنْ يَأْتِكُمْ يَا آدَمُ وَحَوَّاءُ وَإِبْلِيسُ مِنِّي هُدًى: يَقُولُ: بَيَانٌ لِسَبِيلِي، وَمَا أَخْتَارُهُ لِخَلْقِي مِنْ دِينٍ {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ} يَقُولُ: فَمَنِ اتَّبَعَ بَيَانِي ذَلِكَ وَعَمِلَ بِهِ، وَلَمْ يَزُغْ مِنْهُ (فَلَا يَضِلُّ) يَقُولُ: فَلَا يَزُولُ عَنْ مَحَجَّةِ الْحَقِّ، وَلَكِنَّهُ يَرْشُدُ فِي الدُّنْيَا وَيَهْتَدِي {وَلَا يَشْقَى} فِي الْآخِرَةِ بِعِقَابِ اللَّهِ، لِأَنَّ اللَّهَ يُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ، وَيُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ يَزِيدَ الطَّحَّانُ قَالَ: ثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلَائِي عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَضَمَّنَ اللَّهُ لِمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، وَاتَّبَعَ مَا فِيهِ أَنْ لَا يَضِلَّ فِي الدُّنْيَا وَلَا يَشْقَى فِي الْآخِرَةِ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}. حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوِدِيُّ قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ الرَّازِّيُّ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ مَرْوٍ ثَنَا الْمُلَائِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ ضَمِنَ.... فَذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ أَيُّوبِ بْنِ يَسَارٍ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ عَنْ رَجُلٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَاتَّبَعَ مَا فِيهِ عَصَمَهُ اللَّهُ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَوَقَاهُ، أَظُنُّهُ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ هَوْلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} فِي الْآخِرَةِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي} الَّذِي أُذَكِّرُهُ بِهِ فَتَوَلَّى عَنْهُ وَلَمْ يَقْبَلْهُ وَلَمْ يَسْتَجِبْ لَهُ، وَلَمْ يَتَّعِظْ بِهِ فَيَنْـزَجِرُ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ مُقِيمٌ مِنْ خِلَافِهِ أَمْرِ رَبِّهِ {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} يَقُولُ: فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَيِّقَةً، وَالضَّنْكُ مِنَ الْمَنَازِلِ وَالْأَمَاكِنِ وَالْمَعَايِشِ الشَّدِيدُ، يُقَالُ: هَذَا مَنْـزِلٌ ضَنْكٌ: إِذَا كَانَ ضَيِّقًا، وَعَيْشٌ ضَنْكٌ: الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ عَنْتَرَةَ: وَإِنْ نَـزَلُوا بِضَنْكٍ أَنْـزِلُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} يَقُولُ: الشَّقَاءُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ (ضَنْكًا) قَالَ: ضَيِّقَةً. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} قَالَ: الضَّنْكُ: الضَّيِّقُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ عَنْ عَنْبَسَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} يَقُولُ: ضَيِّقَةً. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ لِهَؤُلَاءِ الْمُعْرِضِينَ عَنْ ذِكْرِهِ الْعِيشَةَ الضَّنْكَ وَالْحَالَ الَّتِي جَعَلَهُمْ فِيهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: جَعَلَ ذَلِكَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ فِي جَهَنَّمَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ جَعَلَ طَعَامَهُمْ فِيهَا الضَّرِيعَ وَالزَّقُّومَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُقَدَّمٍ قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَوْفٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} قَالَ: فِي جَهَنَّمَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ {وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ} قَالَ: هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْكُفْرِ، قَالَ: وَمَعِيشَةً ضَنْكًا فِي النَّارِ شَوْكٌ مِنْ نَارٍ وَزَقُّومٍ وَغِسْلِينٍ، وَالضَّرِيعُ: شَوْكٌ مِنْ نَارٍ، وَلَيْسَ فِي الْقَبْرِ وَلَا فِي الدُّنْيَا مَعِيشَةٌ، مَا الْمَعِيشَةُ وَالْحَيَاةُ إِلَّا فِي الْآخِرَةِ، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} قَالَ: لِمَعِيشَتِي، قَالَ: وَالْغِسْلِينُ وَالزَّقُّومُ: شَيْءٌ لَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الدُّنْيَا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} قَالَ: فِي النَّارِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ: فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً فِي الدُّنْيَا حَرَامًا قَالَ: وَوَصَفَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ مَعِيشَتَهُمْ بِالضَّنْكِ، لِأَنَّ الْحَرَامَ وَإِنِ اتَّسَعَ فَهُوَ ضَنْكٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ عَنْ يَزِيدَ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: {مَعِيشَةً ضَنْكًا} قَالَ: هِيَ الْمَعِيشَةُ الَّتِي أَوْسَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْحَرَامِ. حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَزِيدَ الْمُكَتَّبُ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ جَرِيرٍ الْبَجَلِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ {مَعِيشَةً ضَنْكًا} قَالَ: رَزَقًا فِي مَعْصِيَتِهِ. حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَاصِلٍ قَالَ: ثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو بِسِطَامٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} قَالَ: الْكَسْبُ الْخَبِيثُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصِّرَارِيُّ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَّارٍ قَالَ: ثَنَا أَبُو الْيَقْظَانِ عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيِّ عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} قَالَ: الْعَمَلُ الْخَبِيثُ، وَالرِّزْقُ السَّيِّئُ. وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَالَ عَنَى أَنَّ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْمَعِيشَةَ الضَّنْكَ فِي الدُّنْيَا، إِنَّمَا قِيلَ لَهَا ضَنْكٌ وَإِنْ كَانَتْ وَاسِعَةً لِأَنَّهُمْ يُنْفِقُونَ مَا يُنْفِقُونَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ عَلَى تَكْذِيبٍ مِنْهُمْ بِالْخَلْفِ مِنَ اللَّهِ، وَإِيَاسٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ، وَسُوءِ ظَنٍّ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ، فَتَشْتَدُّ لِذَلِكَ عَلَيْهِمْ مَعِيشَتُهُمْ وَتَضِيقُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} يَقُولُ: كُلُّ مَالٍ أَعْطَيْتُهُ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي قَلَّ أَوْ كَثُرَ لَا يَتَّقِينِي فِيهِ، لَا خَيْرَ فِيهِ، وَهُوَ الضَّنْكُ فِي الْمَعِيشَةِ. وَيُقَالُ: إِنَّ قَوْمًا ضُلَّالًا أَعْرَضُوا عَنِ الْحَقِّ وَكَانُوا أُولِي سَعَةٍ مِنَ الدُّنْيَا مُكْثِرِينَ، فَكَانَتْ مَعِيشَتُهُمْ ضَنْكًا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ بِمُخْلِفٍ لَهُمْ مَعَايِشَهُمْ مِنْ سُوءِ ظَنِّهِمْ بِاللَّهِ وَالتَّكْذِيبِ بِهِ، فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ يُكَذِّبُ بِاللَّهِ، وَيُسِيءُ الظَّنَّ بِهِ، اشْتَدَّتْ عَلَيْهِ مَعِيشَتُهُ، فَذَلِكَ الضَّنْكُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ: أَنَّ ذَلِكَ لَهُمْ فِي الْبَرْزَخِ، وَهُوَ عَذَابُ الْقَبْرِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: ثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ {مَعِيشَةً ضَنْكًا} قَالَ: عَذَابُ الْقَبْرِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ قَالَ: ثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: إِنَّ الْمَعِيشَةَ الضَّنْكَ الَّتِي قَالَ اللَّهُ عَذَابُ الْقَبْرِ. حَدَّثَنِي حَوْثَرَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِنْقَرِيُّ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} قَالَ: يُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ: ثَنَا أَبِي وَشُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ عَنِ اللَّيْثِ قَالَ: ثَنَا خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْمَعِيشَةُ الضَّنْكُ: عَذَابُ الْقَبْرِ، إِنَّهُ يُسَلَّطُ عَلَى الْكَافِرِ فِي قَبْرِهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ تِنِّينًا تَنْهَشُهُ وَتَخْدِشُ لَحْمَهُ حَتَّى يُبْعَثَ، وَكَانَ يُقَالُ: لَوْ أَنَّ تِنِّينًا مِنْهَا نَفَخَ الْأَرْضَ لَمْ تُنْبِتْ زَرْعًا. حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: يُطْبَقُ عَلَى الْكَافِرِ قَبْرَهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ، وَهِيَ الْمَعِيشَةُ الضَّنْكُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ {مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَالسُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ {مَعِيشَةً ضَنْكًا} قَالَ: عَذَابُ الْقَبْرِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ فِي قَوْلِهِ {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} قَالَ: عَذَابُ الْقَبْرِ. حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ قَالَ: ثَنَا أَبُو عُمَيْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُخَارِقٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ {مَعِيشَةً ضَنْكًا} قَالَ: عَذَابُ الْقَبْرِ. حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَابْنُ أَبِي حَازِمٍ قَالَا ثَنَا أَبُو حَازِمٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ {مَعِيشَةً ضَنْكًا} قَالَ: عَذَابُ الْقَبْرِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ عَذَابُ الْقَبْرِ الَّذِي حَدَّثَنَا بِهِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: ثَنَا عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ دَرَّاجٍ عَنِ ابْنِ حُجَيْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "«أَتَدْرُونَ فِيمَ أُنْـزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} أَتَدْرُونَ مَا الْمَعِيشَةُ الضَّنْكُ؟ " قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: عَذَابُ الْكَافِرِ فِي قَبْرِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بَيَدِهِ أَنَّهُ لَيُسَلَّطُ عَلَيْهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ تِنِّينًا، أَتَدْرُونَ مَا التِّنِينُ: تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ حَيَّةً، لِكُلِّ حَيَّةٍ سَبْعَةُ رُءُوسٍ، يَنْفُخُونَ فِي جِسْمِهِ وَيَلْسَعُونَهُ وَيَخْدِشُونَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ "». وَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اتَّبَعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ الْمَعِيشَةَ الضَّنْكَ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لَهُمْ قَبْلَ عَذَابِ الْآخِرَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي الْآخِرَةِ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} مَعْنًى مَفْهُومٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ إِنْ لَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَهُ عَذَابٌ لَهُمْ قَبْلَ الْآخِرَةِ، حَتَّى يَكُونَ الَّذِي فِي الْآخِرَةِ أَشَدَّ مِنْهُ، بَطَلَ مَعْنَى قَوْلِهِ {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى}، فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَا تَخْلُو تِلْكَ الْمَعِيشَةُ الضَّنْكُ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لَهُمْ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَهُمْ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا، أَوْ فِي قُبُورِهِمْ قَبْلَ الْبَعْثِ، إِذْ كَانَ لَا وَجْهَ لِأَنْ تَكُونَ فِي الْآخِرَةِ لِمَا قَدْ بَيَّنَّا، فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا، فَقَدْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ مِنَ الْكُفَّارِ، فَإِنَّ مَعِيشَتَهُ فِيهَا ضَنْكٌ، وَفِي وَجُودِنَا كَثِيرًا مِنْهُمْ أَوْسَعُ مَعِيشَةً مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْمُقْبِلِينَ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، الْقَائِلِينَ لَهُ الْمُؤْمِنِينَ فِي ذَلِكَ، مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِذْ خَلَا الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ مِنْ هَذَيْنَ الْوَجْهَيْنِ صَحَّ الْوَجْهُ الثَّالِثُ، وَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْبَرْزَخِ. وَقَوْلُهُ {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي صِفَةِ الْعَمَى الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، أَنَّهُ يُبْعَثُ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ عَمًى عَنِ الْحُجَّةِ، لَا عَمًى عَنِ الْبَصَرِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ فِي قَوْلِهِ: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} قَالَ: لَيْسَ لَهُ حُجَّةٌ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} قَالَ: عَنِ الْحُجَّةِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ، وَقِيلَ: يَحْشُرُ أَعْمَى الْبَصَرِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ، وَهُوَ أَنَّهُ يُحْشَرُ أَعْمَى عَنِ الْحُجَّةِ وَرُؤْيَةِ الشَّيْءِ كَمَا أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، فَعَمَّ وَلَمْ يُخَصِّصْ. وَقَوْلُهُ {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ، مَا حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى} لَا حُجَّةَ لِي. وَقَوْلُهُ {وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا بِحُجَّتِي.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ {وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا} قَالَ: عَالِمًا بِحُجَّتِي. وَقَالَ آخَرُونَ. بَلْ مَعْنَاهُ: وَقَدْ كُنْتُ ذَا بَصَرٍ أُبْصِرُ بِهِ الْأَشْيَاءَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ {وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا} فِي الدُّنْيَا. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا} قَالَ: كَانَ بَعِيدَ الْبَصَرِ، قَصِيرَ النَّظَرِ، أَعْمَى عَنِ الْحَقِّ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ شَأْنُهُ وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ عَمَّ بِالْخَبَرِ عَنْهُ بِوَصْفِهِ نَفْسَهُ بِالْبَصَرِ، وَلَمْ يُخَصَّصْ مِنْهُ مَعْنًى دُونَ مَعْنًى، فَذَلِكَ عَلَى مَا عَمَّهُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ: قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى عَنْ حُجَّتِي وَرُؤْيَةِ الْأَشْيَاءِ، وَقَدْ كُنْتُ فِي الدُّنْيَا ذَا بَصَرٍ بِذَلِكَ كُلِّهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قَالَ هَذَا لِرَبِّهِ {لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى} مَعَ مُعَايَنَتِهِ عَظِيمَ سُلْطَانِهِ، أَجَهِلَ فِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ مَا شَاءَ، أَمْ مَا وَجْهُ ذَلِكَ؟ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ مِنْهُ مَسْأَلَةٌ لِرَبِّهِ يُعَرِّفُهُ الْجِرْمَ الَّذِي اسْتَحَقَّ بِهِ ذَلِكَ، إِذْ كَانَ قَدْ جَهِلَهُ، وَظَنَّ أَنْ لَا جَرَمَ لَهُ، اسْتَحَقَّ ذَلِكَ بِهِ مِنْهُ، فَقَالَ: رَبِّ لِأَيِّ ذَنْبٍ وَلِأَيِّ جُرْمٍ حَشَرْتَنِي أَعْمًى، وَقَدْ كُنْتُ مِنْ قَبْلُ فِي الدُّنْيَا بَصِيرًا وَأَنْتَ لَا تُعَاقِبُ أَحَدًا إِلَّا بِدُونِ مَا يَسْتَحِقُّ مِنْكَ مِنَ الْعِقَابِ. وَقَوْلُهُ {قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ، قَالَ اللَّهُ حِينَئِذٍ لِلْقَائِلِ لَهُ: {لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا} فَعَلْتُ ذَلِكَ بِكَ فَحَشَرْتُكَ أَعْمَى كَمَا أَتَتْكَ آيَاتِي- وَهِيَ حُجَجُهُ وَأَدِلَّتُهُ وَبَيَانُهُ الَّذِي بَيَّنَهُ فِي كِتَابِهِ- فَنَسِيتَهَا: يَقُولُ: فَتَرَكْتَهَا وَأَعْرَضْتَ عَنْهَا، وَلَمْ تُؤْمِنْ بِهَا، وَلَمْ تَعْمَلْ. وَعَنَى بِقَوْلِهِ {كَذَلِكَ أَتَتْكَ} هَكَذَا أَتَتْكَ. وَقَوْلُهُ: {وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} يَقُولُ: فَكَمَا نَسِيتَ آيَاتِنَا فِي الدُّنْيَا، فَتَرَكْتَهَا وَأَعْرَضْتَ عَنْهَا، فَكَذَلِكَ الْيَوْمَ نَنْسَاكَ، فَنَتْرُكُكَ فِي النَّارِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ {وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ قَالَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ فِي قَوْلِهِ {وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} قَالَ: فِي النَّارِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا} قَالَ: فَتَرَكْتَهَا {وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُتْرَكُ فِي النَّارِ. وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنِي بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ {قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} قَالَ: نَسِيَ مِنَ الْخَيْرِ، وَلَمْ يَنْسَ مِنَ الشَّرِّ. وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ قَتَادَةُ قَرِيبُ الْمَعْنَى مِمَّا قَالَهُ أَبُو صَالِحٍ وَمُجَاهِدٌ لِأَنَّ تَرْكَهُ إِيَّاهُمْ فِي النَّارِ أَعْظَمُ الشَّرِّ لَهُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَهَكَذَا نَجْزِي: أَيْ نُثِيبُ مَنْ أَسْرَفَ فَعَصَى رَبَّهُ، وَلَمْ يُؤْمِنْ بِرُسُلِهِ وَكُتُبِهِ، فَنَجْعَلُ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا فِي الْبَرْزَخِ كَمَا قَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَلَعَذَابٌ فِي الْآخِرَةِ أَشَدُّ لَهُمْ مِمَّا وَعَدْتُهُمْ فِي الْقَبْرِ مِنَ الْمَعِيشَةِ الضَّنْكِ وَأَبْقَى يَقُولُ: وَأَدْوَمُ مِنْهَا، لِأَنَّهُ إِلَى غَيْرِ أَمَدٍ وَلَا نِهَايَةٍ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفَلَمْ يَهْدِ لِقَوْمِكَ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ، وَمَعْنَى يَهْدِ: يُبَيَّنُ. يَقُولُ: أَفَلَمْ يُبَيَّنُ لَهُمْ كَثْرَةُ مَا أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي سَلَكَتْ قَبْلَهَا الَّتِي يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ وَدُورِهِمْ، وَيَرَوْنَ آثَارَ عُقُوبَاتِنَا الَّتِي أَحْلَلْنَاهَا بِهِمْ سُوءَ مَغَبَّةِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنَ الْكُفْرِ بِآيَاتِنَا، وَيَتَّعِظُوا بِهِمْ، وَيَعْتَبِرُوا، وَيُنِيبُوا إِلَى الْإِذْعَانِ، وَيُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، خَوْفًا أَنْ يُصِيبَهُمْ بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ مِثْلَ مَا أَصَابَهُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ} لِأَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَتَّجِرُ إِلَى الشَّأْمِ، فَتَمُرُّ بِمَسَاكِنَ عَادٍ وَثَمُودَ وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ، فَتَرَى آثَارَ وَقَائِعَ اللَّهِ تَعَالَى بِهِمْ، فَلِذَلِكَ قَالَ لَهُمْ: أَفَلَمْ يُحَذِّرْهُمْ مَا يَرَوْنَ مِنْ فِعْلِنَا بِهِمْ بِكُفْرِهِمْ بِنَا نُـزُولُ مِثْلِهِ لَهُمْ، وَهُمْ عَلَى مِثْلِ فِعْلِهِمْ مُقِيمُونَ، وَكَانَ الْفَرَّاءُ يَقُولُ: لَا يَجُوزُ فِي كَمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنْ يَكُونَ إِلَّا نَصْبًا بِـ"أَهْلَكْنَا"، وَكَانَ يَقُولُ: وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا نَصْبًا، فَإِنَّ جُمْلَةَ الْكَلَامِ رُفِعَ بِقَوْلِهِ (يَهْدِ لَهُمْ) وَيَقُولُ: ذَلِكَ مِثْلَ قَوْلِ الْقَائِلِ: قَدْ تَبَيَّنَ لِي أَقَامَ عَمْرٌو أَمْ زَيْدٌ فِي الِاسْتِفْهَامِ، وَكَقَوْلِهِ {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} وَيَزْعُمُ أَنَّ فِيهِ شَيْئًا يَرْفَعُ سَوَاءً لَا يَظْهَرُ مَعَ الِاسْتِفْهَامِ، قَالَ: وَلَوْ قُلْتُ: سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ صَمْتُكُمْ وَدُعَاؤُكُمْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ الرَّفْعُ الَّذِي فِي الْجُمْلَةِ، وَلَيْسَ الَّذِي قَالَ الْفَرَّاءُ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ: لِأَنَّ كَمْ وَإِنَّ كَانَتْ مِنْ حُرُوفِ الِاسْتِفْهَامِ فَإِنَّهَا لَمْ تُجْعَلْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِلِاسْتِفْهَامِ، بَلْ هِيَ وَاقِعَةٌ مُوْقِعَ الْأَسْمَاءِ الْمَوْصُوفَةِ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ مَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ وَهُوَ أَفَلَمْ يُبَيَّنُ لَهُمْ كَثْرَةُ إِهْلَاكِنَا قَبْلَهُمُ الْقُرُونَ الَّتِي يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ، أَوْ أَفَلَمْ تَهْدِهِمُ الْقُرُونُ الْهَالِكَةُ، وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ مَنْ أَهْلَكْنَا} فَكَمْ وَاقِعَةٌ مُوْقِعَ مَنْ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ، هِيَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِقَوْلِهِ {يَهْدِ لَهُمْ} وَهُوَ أَظْهِرُ وُجُوهِهِ، وَأَصَحُّ مَعَانِيهِ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي قَالَهُ وَجْهٌ وَمَذْهَبٌ عَلَى بُعْدٍ. وَقَوْلُهُ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنْ فِيمَا يُعَايِنُ هَؤُلَاءِ وَيَرَوْنَ مِنْ آثَارِ وَقَائِعِنَا بِالْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ رُسُلَهَا قَبْلَهُمْ، وَحُلُولِ مَثُلَاتِنَا بِهِمْ لِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ (لَآيَاتٌ) يَقُولُ: لَدَلَالَاتٌ وَعِبَرًا وَعِظَاتٌ {لِأُولِي النُّهَى} يَعْنِي: لِأَهْلِ الْحِجَا وَالْعُقُولِ، وَمَنْ يَنْهَاهُ عَقْلُهُ وَفَهْمُهُ وَدِينُهُ عَنْ مُوَاقَعَةِ مَا يَضُرُّهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ {لِأُولِي النُّهَى} يَقُولُ: الْتُقَى. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى} أَهْلِ الْوَرَعِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ} يَا مُحَمَّدُ أَنَّ كُلَّ مَنْ قَضَى لَهُ أَجَلًا فَإِنَّهُ لَا يَخْتَرِمُهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ أَجْلَهُ {وَأَجَلٌ مُسَمًّى} يَقُولُ: وَوَقْتٌ مُسَمًّى عِنْدَ رَبِّكَ سَمَّاهُ لَهُمْ فِي أُمِّ الْكِتَابِ وَخَطَّهُ فِيهِ، هُمْ بَالِغُوهُ وَمُسْتَوْفُوهُ {لَكَانَ لِزَامًا} يَقُولُ: لَلَازَمَهُمُ الْهَلَاكُ عَاجِلًا وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: لَازَمَ فُلَانٌ فُلَانًا يُلَازِمُهُ مُلَازِمَةً وَلِزَامًا: إِذَا لَمْ يُفَارِقْهُ، وَقَدَّمَ قَوْلَهُ {لَكَانَ لِزَامًا} قَبْلَ قَوْلِهِ {أَجَلٍ مُسَمًّى} وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ وَأَجَلٌ مُسَمًّى لَكَانَ لِزَامًا، فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى} الْأَجَلُ الْمُسَمَّى: الدُّنْيَا. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى} وَهَذِهِ مِنْ مَقَادِيمِ الْكَلَامِ، يَقُولُ: لَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى كَانَ لِزَامًا، وَالْأَجَلُ الْمُسَمَّى السَّاعَةُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ}. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى} قَالَ: هَذَا مُقَدَّمٌ وَمُؤَخَّرٌ، وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ وَأَجَلٌ مُسَمًّى لَكَانَ لِزَامًا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ {لَكَانَ لِزَامًا} فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: لَكَانَ مَوْتًا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنِي أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ {لَكَانَ لِزَامًا} يَقُولُ: مُوتًا. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ لَكَانَ قَتْلًا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ {لَكَانَ لِزَامًا} وَاللُّزُومُ: الْقَتْلُ. وَقَوْلُهُ {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ: فَاصْبِرْ يَا مُحَمَّدُ عَلَى مَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ مِنْ قَوْمِكَ لَكَ إِنَّكَ سَاحِرٌ وَإِنَّكَ مَجْنُونٌ وَشَاعِرٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} يَقُولُ: وَصَلِّ بِثَنَائِكَ عَلَى رَبِّكَ، وَقَالَ: بِحَمْدِ رَبِّكَ، وَالْمَعْنَى: بِحَمْدِكَ رَبَّكَ، كَمَا تَقُولُ: أَعْجَبَنِي ضَرْبُ زَيْدٍ، وَالْمَعْنَى: ضَرْبِي زَيْدًا، وَقَوْلُهُ: {قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ} وَذَلِكَ صَلَاةُ الصُّبْحِ {وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} وَهِيَ الْعَصْرُ {وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ} وَهِيَ سَاعَاتُ اللَّيْلِ، وَاحِدُهَا: إِنَّى، عَلَى تَقْدِيرِ حِمْلٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْمُتَنَخِلِ السَّعْدِيِّ: حُـلْوٌ وَمُـرٌّ كَـعَطْفِ الْقِـدْحِ مِرَّتُـهُ *** فِـي كُـلِّ إِنْـيٍ قَضَـاهُ اللَّيْـلُ يَنْتَعِلُ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ {وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ} صَلَاةَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةَ، لِأَنَّهَا تُصَلَّى بَعْدَ مُضِيِّ آنَاءٍ مِنَ اللَّيْلِ. وَقَوْلُهُ {وَأَطْرَافَ النَّهَارِ}: يَعْنِي صَلَاةَ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ، وَقِيلَ: أَطْرَافُ النَّهَارِ، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الصَّلَاتَانِ اللَّتَانِ ذُكِرَتَا، لِأَنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ فِي آخِرِ طَرَفِ النَّهَارِ الْأَوَّلِ، وَفِي أَوَّلِ طَرَفٍ النَّهَارِ الْآخَرِ، فَهِيَ فِي طَرَفَيْنِ مِنْهُ، وَالطَّرَفُ الثَّالِثُ: غُرُوبُ الشَّمْسِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ تُصَلَّى الْمَغْرِبُ، فَلِذَلِكَ قِيلَ أَطْرَافٌ، وَقَدْ يُحْمَلُ أَنْ يُقَالَ: أُرِيدَ بِهِ طَرَفَا النَّهَارِ. وَقِيلَ: أَطْرَافٌ، كَمَا قِيلَ {صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} فَجَمَعَ، وَالْمُرَادُ: قَلْبَانِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ أَوَّلَ طَرَفِ النَّهَارِ الْآخَرِ، وَآخِرَ طَرَفِهِ الْأَوَّلِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} قَالَ: الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ. حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَى الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ: " إِنَّكُمْ رَاءُونَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا، لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا" ثُمَّ تَلَا {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} ". حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: الْعَصْرُ، وَأَطْرَافَ النَّهَارِ قَالَ: الْمَكْتُوبَةُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ} قَالَ: هِيَ صَلَاةُ الْفَجْرِ {وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} قَالَ: صَلَاةُ الْعَصْرِ {وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ} قَالَ: صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وَالْعَشَاءِ {وَأَطْرَافَ النَّهَارِ} قَالَ: صَلَاةُ الظُّهْرِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ {وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ} قَالَ: مِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ: الْعَتَمَةُ، وَأَطْرَافَ النَّهَارِ: الْمَغْرِبُ وَالصُّبْحُ، وَنَصَبَ قَوْلَهُ {وَأَطْرَافَ النَّهَارِ} عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ {قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ} لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: فَسَبِّحَ بِحَمْدِ رَبِّكَ آخِرَ اللَّيْلِ، وَأَطْرَافَ النَّهَارِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى {آنَاءَ اللَّيْلِ} قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ} قَالَ: الْمُصَلَّى مِنَ اللَّيْلِ كُلُّهُ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ قَرَأَ {وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ} قَالَ: مِنْ أَوَّلِهِ، وَأَوْسَطِهِ، وَآخِرِهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ {وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ} قَالَ: آنَاءُ اللَّيْلِ: جَوْفُ اللَّيْلِ. وَقَوْلُهُ {لَعَلَّكَ تَرْضَى} يَقُولُ: كَيْ تَرْضَى. وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْعِرَاقِ {لَعَلَّكَ تَرْضَى} بِفَتْحِ التَّاءِ. وَكَانَ عَاصِمٌ وَالْكِسَائِيُّ يَقْرَآنِ ذَلِكَ (لَعَلَّكَ تُرْضَى) بِضَمِّ التَّاءِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ وَكَأَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِالْفَتْحِ ذَهَبُوا إِلَى مَعْنَى: إِنَّ اللَّهَ يُعْطِيكَ، حَتَّى تَرْضَى عَطِيَّتَهُ وَثَوَابَهُ إِيَّاكَ، وَكَذَلِكَ تَأَوَّلَهُ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ {لَعَلَّكَ تَرْضَى} قَالَ: الثَّوَابُ، تَرْضَى بِمَا يُثِيبُكَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ {لَعَلَّكَ تَرْضَى} قَالَ: بِمَا تُعْطَى، وَكَأَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِالضَّمِّ وَجَّهُوا مَعْنَى الْكَلَامِ إِلَى لَعَلَّ اللَّهَ يُرْضِيكَ مِنْ عِبَادَتِكَ إِيَّاهُ، وَطَاعَتِكَ لَهُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي: أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءٌ مِنَ الْقُرَّاءِ، وَهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى، غَيْرُ مُخْتَلِفَتَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِذَا أَرْضَاهُ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَرْضَى، وَأَنَّهُ إِذَا رَضِيَ فَقَدْ أَرْضَاهُ اللَّهُ، فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْأُخْرَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلَا تَنْظُرْ إِلَى مَا جَعَلْنَا لِضُرَبَاءِ هَؤُلَاءِ الْمُعْرِضِينَ عَنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ وَأَشْكَالِهِمْ مُتْعَةً فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا يَتَمَتَّعُونَ بِهَا، مِنْ زَهْرَةِ عَاجِلِ الدُّنْيَا وَنُضْرَتِهَا {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} يَقُولُ: لِنَخْتَبِرَهُمْ فِيمَا مَتَّعْنَاهُمْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَنَبْتَلِيَهُمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ فَانٍ زَائِلٌ، وَغُرُورٌ وَخُدَعٌ تَضْمَحِلُّ {وَرِزْقُ رَبِّكَ} الَّذِي وَعَدَكَ أَنْ يَرْزُقَكَهُ فِي الْآخِرَةِ حَتَّى تَرْضَى، وَهُوَ ثَوَابُهُ إِيَّاهُ (خَيْرٌ) لَكَ مِمَّا مَتَّعْنَاهُمْ بِهِ مِنْ زَهْرَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (وَأَبْقَى) يَقُولُ: وَأَدُومُ، لِأَنَّهُ لَا انْقِطَاعَ لَهُ وَلَا نَفَادَ، وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَـزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إِلَى يَهُودِيٍّ يَسْتَسْلِفُ مِنْهُ طَعَامًا، فَأَبَى أَنْ يُسْلِفَهُ إِلَّا بَرَهْنٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ «عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَهُودِيٍّ يَسْتَسْلِفُهُ، فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ إِلَّا بَرَهْنٍ، فَحَزِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْـزَلَ اللَّهُ {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقَدٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ «عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: نَـزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَيْفٌ، فَأَرْسَلَنِي إِلَى يَهُودِيٍّ بِالْمَدِينَةِ يَسْتَسْلِفُهُ، فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ: لَا أُسْلِفُهُ إِلَّا بِرَهْنٍ، فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي لَأَمِينٌ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ وَفِي أَهْلِ الْأَرْضِ، فَاحْمِلْ دِرْعِي إِلَيْهِ، فَنَـزَلَتْ {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} وَقَوْلُهُ {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} إِلَى قَوْلِهِ {وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}» وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: {أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} رِجَالًا مِنْهُمْ أَشْكَالًا، وَبِزَهْرَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}: أَيْ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَنَصَبَ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا عَلَى الْخُرُوجِ مِنَ الْهَاءِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ بِهِ مِنْ (مَتَّعْنَا بِهِ)، كَمَا يُقَالُ: مَرَرْتُ بِهِ الشَّرِيفَ الْكَرِيمَ، فَنَصَبَ الشَّرِيفَ الْكَرِيمَ عَلَى فِعْلِ مَرَرْتُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ {إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} تُنْصَبُ عَلَى الْفِعْلِ بِمَعْنَى: مَتَّعْنَاهُمْ بِهِ زُهْرَةً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَةً لَهُمْ فِيهَا، وَذَكَرُ الْفَّرَّاءُ أَنَّ بَعْضَ بَنِي فَقْعَسٍ أَنْشَدَهُ: أبَعْـدَ الَّـذِي بِالسَّـفْحِ سَـفْحِ كُـوَاكِبٍ *** رَهِينَـةَ رَمْسٍ مِـنْ تُـرَابٍ وَجَـنْدَلِ فَنَصَبَ رَهِينَةً عَلَى الْفِعْلِ مِنْ قَوْلِهِ: "أَبْعَدَ الَّذِي بِالسَّفْحِ"، وَهَذَا لَا شَكَّ أَنَّهُ أَضْعَفُ فِي الْعَمَلِ نَصْبًا مِنْ قَوْلِهِ {مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} لِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الِاسْمِ وَهُوَ رَهِينَةٌ حَرْفٌ خَافِضٌ لَا نَاصِبٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. * ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ: {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} قَالَ: لِنَبْتَلِيَهُمْ فِيهِ {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} مِمَّا مَتَّعْنَا بِهِ هَؤُلَاءِ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَأْمُرْ) يَا مُحَمَّدُ {أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} يَقُولُ: وَاصْطَبِرْ عَلَى الْقِيَامِ بِهَا، وَأَدَائِهَا بِحُدُودِهَا أَنْتَ {لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا} يَقُولُ: لَا نَسْأَلُكَ مَالًا بَلْ نُكَلِّفُكَ عَمَلًا بِبَدَنِكَ، نُؤْتِيكَ عَلَيْهِ أَجْرًا عَظِيمًا وَثَوَابًا جَزِيلًا يَقُولُ {نَحْنُ نَرْزُقُكَ} نَحْنُ نُعْطِيكَ الْمَالَ وَنُكْسِبُكَهُ، وَلَا نَسْأَلُكَهُ، وَقَوْلُهُ: {وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} يَقُولُ: وَالْعَاقِبَةُ الصَّالِحَةُ مِنْ عَمَلِ كُلِّ عَامِلٍ لِأَهْلِ التَّقْوَى وَالْخَشْيَةِ مِنَ اللَّهِ دُونَ مَنْ لَا يَخَافُ لَهُ عِقَابًا، وَلَا يَرْجُو لَهُ ثَوَابًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْلِهِ {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ قَالَ: ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: كَانَ عُرْوَةُ إِذَا رَأَى مَا عِنْدَ السَّلَاطِينِ دَخَلَ دَارَهُ، فَقَالَ {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} ثُمَّ يُنَادِي: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثَنَا عَثَّامٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَأَى شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا جَاءَ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ الصَّلَاةَ {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا}. حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ قَالَ: ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ يَبِيتُ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ غِلْمَانِهِ أَنَا وَيَرْفَأُ، وَكَانَتْ لَهُ مِنَ اللَّيْلِ سَاعَةٌ يُصَلِّيهَا، فَإِذَا قُلْنَا لَا يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ كَانَ قِيَامًا، وَكَانَ إِذَا صَلَّى مِنَ اللَّيْلِ ثُمَّ فَرَغَ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}.... الْآيَةَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مِثْلَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ فِي الْآيَاتِ قَبْلُ هَلَّا يَأْتِينَا مُحَمَّدٌ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ، كَمَا أَتَى قَوْمَهُ صَالِحٌ بِالنَّاقَةِ وَعِيسَى بِإِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ، يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أَوَلَمْ يَأْتِهِمْ بَيَانُ مَا فِي الْكُتُبِ الَّتِي قَبْلَ هَذَا الْكِتَابِ مِنْ أَنْبَاءِ الْأُمَمِ مِنْ قَبْلِهِمُ الَّتِي أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا سَأَلُوا الْآيَاتِ فَكَفَرُوا بِهَا لَمَّا أَتَتْهُمْ كَيْفَ عَجَّلْنَا لَهُمُ الْعَذَابَ، وَأَنْـزَلْنَا بَأْسَنَا بِكُفْرِهِمْ بِهَا، يَقُولُ: فَمَاذَا يُؤَمِّنُهُمْ إِنْ أَتَتْهُمُ الْآيَةُ أَنْ يَكُونَ حَالُهُمْ حَالَ أُولَئِكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ {أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى} قَالَ: التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ: قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى} الْكُتُبِ الَّتِي خَلَتْ مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَا هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِهَذَا الْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ نُنَـزِّلُهُ عَلَيْهِمْ، وَمِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْعَثَ دَاعِيًا يَدْعُوهُمْ إِلَى مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِيهِ بِعَذَابٍ نُنَـزِّلُهُ بِهِمْ بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ، لَقَالُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذْ وَرَدُوا عَلَيْنَا فَأَرَدْنَا عِقَابَهُمْ: رَبَّنَا هَلَّا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا يَدْعُونَا إِلَى طَاعَتِكَ فَنَتَّبَعَ آيَاتِكَ، يَقُولُ: فَنَتَّبِعَ حُجَّتَكَ وَأَدِلَّتَكَ وَمَا تُنَـزِّلَهُ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِكَ وَنَهْيِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ بِتَعْذِيبِكَ إِيَّانَا وَنَخْزَى بِهِ. كَمَا حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: ثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ عَنْ فُضَيْلٍ عَنْ مَرْزُوقٍ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَحْتَجُّ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَةٌ: الْهَالِكُ فِي الْفَتْرَةِ، وَالْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ، وَالصَّبِيُّ الصَّغِيرُ، فَيَقُولُ الْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ: لَمْ تَجْعَلْ لِي عَقْلًا أَنْتَفِعُ بِهِ، وَيَقُولُ الْهَالِكُ فِي الْفَتْرَةِ: لَمْ يَأْتَنِي رَسُولٌ وَلَا نَبِيٌّ، وَلَوْ أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ أَوْ نَبِيٌّ لَكُنْتُ أَطْوَعَ خَلْقِكَ لَكَ وَقَرَأَ: {لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا} وَيَقُولُ الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ: كَنْتُ صَغِيرًا لَا أَعْقِلُ قَالَ: فَتُرْفَعُ لَهُمْ نَارٌ وَيُقَالُ لَهُمْ: رِدُوهَا قَالَ: فَيَرِدُهَا مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ سَعِيدٌ وَيَتَلَكَّأُ عَنْهَا مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ شَقِيٌّ، فَيَقُولُ: إِيَّايَ عَصَيْتُمْ، فَكَيْفَ بِرُسُلِي لَوْ أَتَتْكُمْ؟ ».
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ: كُلُّكُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مُتَرَبِّصٌ يَقُولُ: مُنْتَظِرٌ لِمَنْ يَكُونُ الْفَلَاحُ، وَإِلَى مَا يَئُولُ أَمْرِي وَأَمْرُكُمْ مُتَوَقِّفٌ يَنْتَظِرُ دَوَائِرَ الزَّمَانِ، فَتَرَبَّصُوا يَقُولُ: فَتَرَقَّبُوا وَانْتَظَرُوا، فَسَتُعْلِمُونَ مَنْ أَهْلُ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ الْمُعْتَدِلِ الَّذِي لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ إِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَقَامَتِ الْقِيَامَةُ أَنَحْنُ أَمْ أَنْتُمْ؟ وَمَنِ اهْتَدَى يَقُولُ: وَسَتَعْلَمُونَ حِينَئِذٍ مَنِ الْمُهْتَدِي الَّذِي هُوَ عَلَى سُنَنِ الطَّرِيقِ الْقَاصِدِ غَيْرِ الْجَائِرِ عَنْ قَصْدِهِ مِنَّا وَمِنْكُمْ، وَفِي "مَنْ" مِنْ قَوْلِهِ {فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ}، وَالثَّانِيَةُ مِنْ قَوْلِهِ {وَمَنِ اهْتَدَى} وَجْهَانِ: الرَّفْعُ وَتَرْكُ إِعْمَالِ تَعْلَمُونَ فِيهِمَا، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى} وَالنَّصْبُ عَلَى إِعْمَالِ تَعْلَمُونَ فِيهِمَا، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ}.
|